وهيب شاب قروي ساذج العقل طيب القلب ذو عاطفة غير مستقرة. أحب نعمات بنت ناظر العزبة التي يعمل بها أجير وأراد أن يصرح لها بحبه ولكن كيف وهو خجول إذا حادثه خولي الأرض يضع عيناه في الأرض يسمع ما يمليه عليه الخولي دون أن ينبس بكلمة واحدة. أما إذا ألقت أحدي الفلاحات العاملات في جمع القطن التحية لا يلقي بالتحية بالا ويستمر في فلاحته للأرض . وعندما رأي نعمات مع أبيها ذات مرة وهي تجلب لأبيها طعام الغذاء أحس أن الأرض تهتز تحت قدميه أعجبه شكلها وقوامها المياس وتواريها خلف رشرشها الأخضر وضحكتها العذبة فبدت له كالنجم الساطع ينظر له ويتملي بنوره ولا يجرؤ على أمساكه. فلمعت برأسه فكرة أن يذهب لأبيها ليخطب يدها ولكن تنبه أن أبيها يمكن أن يرضي أو يأبي. وجلس كعادته تحت الشجرة الظليلة بجانب الساقية يفكر إذا تقدم له ورفضه ماذا سيفعل. وبسرعة لمعت برأسه فكرة أن يهجر الأرض ويبيع قيراط الطين الذي ورثه عن أمه ويذهب إلى مصر المحروسة ربما يبتسم له الحظ من أول مرة. وعاد مرة أخرى وفكر أن يذهب لصاحبه محروس يستشيره فيما يسعي إليه ولكن سرعان ما تراجع حتي لا يسمع ما لا يرضيه علي أنه فلاح أجير لا هو ناظر عزبة ولا خولي ولا أفندي ولا بيه فما الذي يجبر ناظر العزبة أن يزوجه أبنته. وعاد مرة أخرى وفكر في شيخ الجامع عبد الصمد أنه يعتبره قدوته ومشجعه سيذهب إليه ولكن سرعان ما تراجع حتي لا يحرج من سؤالاته كيف يستطيع الزواج وهو أجير قوته الذي يكسبه لا يكفي يومه خبز حاف أو قطعة جبن ثم أين هو مكان الزوجية؟ أيرضي أبيها أن تتزوجه في ذلك الكوخ المهجور الذي يسكنه وأين التكافؤ الأجتماعي فالبنت تقرأ وتكتب وهو أمي. فدار الكلام في رأس وهيب وتراجع عن مشورة شيخ الجامع. وها هو تفكيره يتجه مباشرة إلي والد الفتاة نعمات سيصرحه بحبه لأبنته والأرتباط بها كزوجة له ويجري ما يجري بعد ذلك. وياليته ما هداه تفكيره لذلك أبدا لقد كانت نهاية البداية.ذهب وهيب إليه وفاتحه في الأمر فما كان من ناظر العزبة ألا وسأله؟ كيف فكر في ذلك وكيف تجرء على أن أول ما يشطح ينطح وطرده شر طردة وأستهزء به وتوعد له بأشد العقاب والويل له أن فكر في ذلك الموضوع أو رجوعه للأرض. ورجع وهيب إلي كوخه حزين ذليل لقد أسي على نفسه وذل نفسه ولم يفلح في الذي يسعي إليه وظل حبيس الكوخ لا يخرج منه ولا يدخل عليه أحد لقد أعتزل الناس وأعتزل كل شئ وكان يختلي بنفسه كثيرا ويفكر لماذا أقدم علي فعل ذلك؟ ولم يجني غير الخزي والعار. وسكن قلبه الحزن والأسي وبدت نعمات كالنجم العالي من يريد أمساكه فعليه بعمل المعجزات لعله يبلغ السماء ويمسك النجم ويقدمه مهرا لها. وبدا حلمه بالزواج من نعمات بالسراب رآه أمام عيناه وبدا قريبا منه وصار إليه فلم بلغ نهايته لم يجده سوي سراب في ذهنه ينعشه مرة بالقرب منها وينهره مرة بالبعد عنها وصار حلمه بعيد المدي طويل الأسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق